فصل: الفصل الثالث: في دم الاستحاضة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


الفصل الثالث‏:‏ في دم الاستحاضة

وهو ما زاد على الدم المعتبر‏.‏ قال ابن شاس‏:‏ إذا حكمنا بالاستحاضة، فالحائض إما مبتدأة، أو معتادة، وكلاهما إما مميزة، أو غير مميزة، فهذه أقسام أربعة‏:‏

الأول‏:‏ المبتدأة المميزة، فحيضتها مدة تمييزها ما لم يزد على خمسة عشر يوما، وأما المبتدأة غير المميزة، فقد تقدم حكمها، وأما المعتادة المميزة، فحيضتها مدة التمييز لحديث فاطمة بنت أبي حبيش، ولأن العادة تختلف، والتمييز لا يختلف، والنظر إلى اللون اجتهاد، والعادة تقليد، والاجتهاد أولى، وأما المعتادة غير المميزة فثلاثة أقوال‏:‏ الاقتصار على العادة للمغيرة وأبي مصعب، فإذا شكت أهو انتقال عادة، أو استحاضة اغتسلت وصلت، وصامت، ولا يصيبها زوجها احتياطا، فإن انقطع الدم لخمسة عشر يوما علمت انتقال العادة، فكانت المدة كلها حيضا، وإن استمر الدم علم أنها استحاضة، وثبت حيضها على ما تقدم من عادتها، وتقضي الصوم فيما بين ذلك، وبين الزيادة على الخمسة عشر يوما‏.‏

الثاني‏:‏ قال مطرف‏:‏ تبلغ خمسة عشر يوما‏.‏

الثالث‏:‏ الاستظهار على العادة، والمشهور أنها لا تتجاوز الخمسة عشر يوما، وقال في كتاب محمد‏:‏ تتجاوز باليومين، وقال ابن نافع‏:‏ وأنكره سحنون‏.‏

فروع تسعة‏:‏

الأول‏:‏ استحب للمستحاضة في الكتاب أن تتوضأ لكل صلاة‏.‏ قال صاحب الطراز‏:‏ لا يختلف في وجوب الصلاة عليها، واختلف إذا كانت جاهلة، فتركت الصلاة، فأنكر سحنون ما ذكر من سقوطها بالجهل، واستحب لها الوضوء، ولم يستحب لها الغسل كما جاء في حديث حمنة؛ لأن ترك الغسل ‏(‏متفق عليه‏)‏، وإنما الخلاف في الوضوء‏.‏ قال الخطابي‏:‏ اتفق العلماء على عدم وجوب الغسل إلا أن تشك، وذهب أبو ح، وش، وجماعة إلى وجوب الوضوء عليها، ويدل على عدم الوجوب أن حديث وجوبه لم يخرجه أحد ممن اشترط الصحة‏.‏ قال أبو داود‏:‏ زاد عروة‏:‏ ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت، وقال‏:‏ هذه الزيادة موقوفة على عائشة رضي الله عنها، وأنكرها صاحب الطراز، ويدل على عدم الوجوب اتفاق الجميع على أنه إذا خرج في الصلاة أتمتها، وأجزأتها‏.‏

ووجه الاستحباب أنه من جنس الأحداث كالسلس، والفرق بينه وبين فضلة المني أنها توجب الوضوء دون الغسل عدم الحرج فيها لندرتها بخلافه، وإنما وزانه سلس المني لا جرم يستحب منه الوضوء، ولو خرجت فضلة المني في الصلاة أبطلتها وفاقا بخلاف دم الاستحاضة‏.‏

الثاني‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ إذا انقطع دم الاستحاضة لا غسل عليها، ثم رجع إلى الغسل، وجه الأول أن الوضوء مستحب، فلا يستحب الغسل كالسلس، ووجه الثاني أمره عليه السلام لحمنة به حين أمرها بالجمع بين الصلاتين، وكان الأصل أن تغتسل، وتتوضأ لكل صلاة‏.‏ ترك العمل بالغسل في الابتداء، وكان علي، وابن عباس رضي الله عنهما يأمران المستحاضة به في كل صلاة إن قويت على ذلك نقله أبو داود‏.‏ قال ابن شاس‏:‏ تغتسل من طهر إلى طهر إن كانت مميزة، وإلا فغسلها عند الحكم عليها بالاستحاضة يكفي‏.‏

الثالث‏:‏ المستحاضة توطأ خلافا لابن علية لما في أبي داود أن حمنة بنت جحش كانت مستحاضة يأتيها زوجها، ولقوله تعالى‏:‏ ‏(‏حتى يطهرن‏)‏ وهذه طاهر، ولأن مطلقها لا يجبر على الرجعة، فتوطأ قياسا على موضع الإجماع‏.‏

الرابع‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ إذا رأت الدم خمسة عشر يوما، ثم الطهر خمسة، ثم الدم أياما، ثم الطهر سبعة، فهي مستحاضة‏.‏ قال صاحب الطراز‏:‏ قال بعض المتأخرين‏:‏ أراد مستحاضة في الدم الثاني، وقيل‏:‏ في السبعة، وفيه نظر لأنه لا معنى لربط هذا الدم بالسبعة بعده، وأرى أنه يريد بعد السبعة، واختلف في هذا أيضا، فقال التونسي‏:‏ راعي الطهر خمسة، والأيام أقلها يومان فيكون الجميع سبعة مع سبعة‏.‏ الطهر أربعة عشر يوما، فجاء الدم، ولم يكمل الطهر‏.‏

وقيل‏:‏ الدم الآتي بعد السبعة على صفة الاستحاضة قبلها‏.‏ قال التونسي‏:‏ يمكن أن تكون أيام الدم ثلاثة، والدم الآتي بعد السبعة من جنس الآتي في الثلاثة التي بعد الخمسة، فلذلك جعلها مستحاضة، وينبغي إذا كان على صفة الحيض أن يكون حيضا، والمستحاضة ترى دما تنكره قال‏:‏ والذي قاله صواب‏.‏

الخامس‏:‏ إذا تغير دم الاستحاضة إلى الغلظ والسواد، قال صاحب الطراز‏:‏ إن لم يمض بعد الحيض زمان هو أقل الطهر على ما تقدم، فالاستحاضة باقية، وإن مضى، فهو حيض، فإن تمادى على صفته، أو تغير قال مطرف‏:‏ تجلس خمسة عشر يوما، وفرق عبد الملك بين هذه، وبين ابتداء الاستحاضة، فقال في تلك تجلس خمسة عشر، وفي هذه تستظهر بثلاث، ورواه ابن القاسم عن مالك، وقال‏:‏ إن علق بها دم الاستحاضة بعد أيام حيضتها لن تستظهر يريد بعد أن تغتسل‏.‏

وقال ابن القاسم‏:‏ مرة تستظهر، ومرة لا تستظهر‏.‏

قال اللخمي‏:‏ إذا جاء المستحاضة دم الحيض، وزاد على العادة، وهو مثل الاستحاضة، فلا تحاط له، وإن كان مثل دم الحيض، فهي حائض، وإن أشكل فالأحسن أنها مستحاضة، وقيل‏:‏ تستظهر بثلاثة أيام، وقيل‏:‏ تجلس خمسة عشر يوما‏.‏

السادس‏:‏ لو تمادى دم الاستحاضة عشرة أيام تفريعا على أن الطهر خمسة عشر يوما، ثم رأت الدم بعد الاستحاضة بخمسة أيام قال التونسي‏:‏ إن أشبه الحيض، فهو حيض، وإن أشبه الاستحاضة، فهو استحاضة‏.‏ قال صاحب الطراز‏:‏ وهذا مشكل بأنها رأت ابتداء الدم بعد طهر تام، فلا تراعي صفته كما لو انقطعت الاستحاضة مدة أقل الطهر، ثم رأت الدم نعم لو جاء في أيام العادة دلت قرينتها على أنه حيض، أو قبل العادة على صفة الحيض، فقرينة الصفة تدل على الحيض‏.‏

فإن كان قبل العادة على غير صفة الحيض، فاستحاضة لانتفاء القرائن، وفيه على هذا نظر؛ لأن دم المرض قد انقطع، والحيض لا يتغير زمانه، والاحتياط أحسن، فلا تدع الصلاة إلا بما لا يشكل أنه دم حيض، وهو معنى قول مالك‏.‏

السابع‏:‏ إذا كانت لا ترى الدم إلا عند وضوئها، فإذا قامت ذهب عنها‏.‏ قال صاحب الطراز‏:‏ روى ابن القاسم لا تدع الصلاة إلا أن ترى دما تنكره يعني المستحاضة أما غيرها فتغتسل منه، ولا تدع الصلاة عند انقطاعه، فإذا جاوز ذلك أيامها، فهي مستحاضة لا تغتسل له، وروى ابن القاسم في هذه أنها تشده، وتصلي من غير غسل كالمستحاضة‏.‏ قال صاحب البيان‏:‏ لأنها مستنكحة بذلك من قبل الشيطان قال‏:‏ قال ابن أبي زيد‏:‏ معنى قول مالك رضي الله عنه أنها تغتسل عند كل وضوء حتى تجاوز الأيام والاستظهار، ثم هي مستحاضة‏.‏ قال‏:‏ وقد قال مالك‏:‏ ليس عليها غسل، وهو أولى بتفسير قوله من ابن أبي زيد‏.‏

والمستند في هذا الحكم أن امرأة استفتت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فقالت كلما أقبلت أريد الطواف هرقت الدم، ثم إذا ذهبت ذهب‏.‏ قال‏:‏ إنما ذلك ركضة من الشيطان، فاغتسلي، ثم استثفري بثوب، وطوفي، وقال أيضا في موضع آخر‏:‏ ومراده بعدم الغسل إذا أصابها ذلك في زمن الاستحاضة كما قاله ابن أبي زيد‏.‏

الثامن‏:‏ قال صاحب الطراز‏:‏ يستحب للمستحاضة، والحائض، والنفساء إذا تطهرن أن يطيبن فروجهن لما في البخاري أن امرأة سألته عليه الصلاة والسلام عن غسلها من الحيض، فأراها كيف تغتسل قال‏:‏‏:‏ ‏(‏خذي فرصة من مسك، فتطهري بها قالت كيف أتطهر بها قال‏:‏ سبحان الله تطهري بها قالت عائشة، فأخذتها إلي، فقلت لها تتبعي بها أثر الدم‏)‏‏.‏

التاسع‏:‏ قال صاحب البيان‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا تركت المستحاضة الصلاة بعد انقضاء الاستظهار جاهلة لا إعادة عليها‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ الإعادة أحب إلي قال‏:‏ ولو طال ذلك أيضا عليها لأنها متأولة، والقضاء إنما ورد في الناسي والنائم لتفريطهما، وقيل‏:‏ تعيد إن كان يسيرا، وإن كان كثيرا لم تعده قال‏:‏ وقد سألت شيخنا ابن رزق، فقال‏:‏ ذلك محمول على ما بينها، وبين خمسة عشر يوما للخلاف أما غير ذلك، فلا بد من قضائه؛ لأن ذلك ليس بحجة، وكذلك قاله ابن حبيب‏.‏

الفصل الرابع‏:‏ في النفاس

والكلام على لفظه وحقيقته‏.‏

أما لفظه، فالنفاس في اللغة ولادة المرأة لا نفس الدم ذكره صاحب العين، والصحاح، ولذلك يقال‏:‏ دم النفاس، والشيء لا يضاف لنفسه، وهو بكسر النون، والمرأة نفساء بضمها، وفتح الفاء، والمد، والجمع نفاس بكسرها، وفتح الفاء‏.‏

وليس في الكلام ما وزنه فعلاء يجمع على فعال غير نفساء، وعشراء، ويجمعان أيضا على نفساوات، وعشراوات بضم الأول وفتح الثاني، ويقال‏:‏ نفست المرأة بفتح النون، وكسر الفاء، وبضم النون، وكسر الفاء، والولد منفوس، وفي الحديث‏:‏ ‏(‏وما من نفس منفوسة إلا وقد كتب مكانها من الجنة، أو النار‏)‏‏.‏

ولا يتعين اشتقاقه من النفس بمعنى الدم؛ لأن النفس مشترك بين الروح، والدم، والجسد، والعين‏.‏ يقال‏:‏ أصيب فلان بنفس أي عين، والنافس العائن، ونفس الشيء ذاته نحو رأيت زيدا نفسه، والنفس قدر دبغة مما يدبغ به الأديم من القرظ، وغيره، ومعاني هذا اللفظ كثيرة‏.‏

وأما حقيقته، فهي أن دم الحيض إذا اشتغل الرحم بالولد انقسم ثلاثة أقسام أصفاه، وأعدله يتولد منه لحم الجنين، فإن الأعضاء تتولد من المنيين، واللحم يتولد من دم الحيض، والقسم الذي يليه في الاعتدال يتولد منه لبن الجنين غذاؤه الذي يحل بعد الوضع في الثدي، والثالث‏:‏ الأردأ يجتمع فيخرج بعد الولادة، فدم النفاس في الحقيقة دم حيض اجتمع‏.‏

وفي الفصل فروع خمسة‏:‏

الأول‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ غايته ستون يوما، ثم رجع إلى العرف، وكره التحديد، وقال الشافعي‏:‏ ستون، وأبو حنيفة أربعون، ومقصود الفريقين أن يكون أربع حيض، فلما كان أبو حنيفة يقول أكثر الحيض عشرة قال‏:‏ أكثر النفاس أربعون، ولما قال مالك، والشافعي خمسة عشر قالوا أكثره ستون، وذلك كله بناء على عوائد عندهم، وأما أقله، فلا حد له كالحيض خلافا ح في أن أقله خمسة وعشرون يوما، وعند أبي يوسف أحد عشر ليزيد النفاس على الحيض عنده بيوم، وفائدة الخلاف هاهنا، وفي الحيض قضاء ما مضى من الصلوات، ويرد على التحديد أنه موقوف على النصوص، ولا نصوص فلا تحديد، وأن الرجوع في هذا إلى ما يقوله النساء متعين‏.‏

الثاني‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ إذا انقطع، ثم رأته بعد ثلاثة أيام ونحوها كان نفاسا، وإن بعد كان حيضا، وهذا مبني على أقل الطهر، وقد تقدم، وقال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى -‏:‏ إذا كان قبل الأربعين فهو نفاس، والشافعي مثله مرة، ومثلنا أخرى، وقال ابن حبيب‏:‏ مشكوك فيه يعمل فيه بالاحتياط‏.‏

لنا‏:‏ أن الطهر التام فصل بين دمين مانعين من العبادة، فلا يلحق أحدهما بالآخر قياسا على الحيضتين‏.‏

الثالث‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ إذا زاد على العادة كان استحاضة‏.‏ قال صاحب الطراز‏:‏ قال عبد الملك‏:‏ تستظهر إلى السبعين؛ لأن الدم قد يزيد كالحيض‏.‏

وجه المذهب أنه اجتهاد، فلا يزاد فيه كزمان الاستظهار‏.‏

الرابع‏:‏ قال ابن القاسم في الكتاب‏:‏ إذا ولدت ولدا، وبقي آخر إلى شهرين، والدم متماد، فدمها محمول على عادة النفاس، ولزوجها الرجعة‏.‏ قال‏:‏ وقيل إن حكمها حكم الحامل حتى تضع الولد الثاني‏.‏ وقد اختلف الشافعية، والحنفية على هذين القولين‏.‏

لنا‏:‏ أن حقيقة دم النفاس موجودة، وأن المانع من خروج الدم إنما هو انغلاق فم الرحم لسبب الحمل، وقد انفتح بالولد الأول، فيكون الخارج دم نفاس، فلا يتوقف جعله نفاسا على الثاني‏.‏ قال صاحب الطراز‏:‏ والذي يرى أنه حيض يقول تجلس مدة حيض الحامل فقط، وقال‏:‏ لو جعلناه نفاسا وهو شهران، وتضع آخر، فإن قلنا تجلس شهرين لزم أن يكون النفاس أربعة أشهر، ولا قائل به، وإن قلنا لا تجلس مع أنه دم عقيب الولادة، فذلك خلاف الأصل، فالواجب حينئذ أن يكون حيضا، والنفاس بعد الولد الثاني‏.‏

فرع‏:‏ إذا قلنا إنه نفاس، فوضعت الثاني بعد شهرين قال التونسي‏:‏ يكون الثاني نفاسا، فإنه كأي ولد في وعائه بدمه، ولأن الرحم ينصب إليه عند حركة الوضع من الدم ما لا ينصب إليه قبل الوضع، فلو وضعت الثاني قبل تمام النفاس الأول ألغت الماضي، واستأنفت من الثاني‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ النفاس من الأول، فإن أتمت أربعين لم يكن الثاني نفاسا، وتابعه الشافعية محتجين بأن الحيضتين لا يتصلان، فكذلك النفاسان، وقياسا على ما إذا اتصلا قبل الولادة‏.‏

الخامس‏:‏ لو وضعت الولد جافا، ففي الغسل قولان مبنيان على أنه مخلوق من مائها، وماؤها لو خرج لوجب الغسل، أو الوضوء، فكذلك هو، أو أنه خرج عن ذلك الطور إلى طور الحصا ونحوه‏.‏

انتهى الجزء الأول من كتاب الذخيرة‏.‏

يليه الجزء الثاني، وأوله كتاب الصلاة‏.‏